الواجهة » العالم الإسلامي » المشاهير » رجال.. أضاءوا في التاريخ » السيّد مهدي الحيدري
   خدمات
   شُرفة خضراء (هذا الموقع)
   قاموس مصطلحات الموقع
   مناسبات خاصة
   وقائع و أعمال الشهور القمرية
   المكتبة الصوتية والمرئية
   مواقع اسلامية
   الأنواء الجوية (مدينة مشهد)
   مدينة للصغار
   ألبوم الذكريات
   بحث في الموقع


السيّد مهدي الحيدري

نسبه الشريف وأسرته الفاضلة
ينتهي نسب السيّد مهدي الحيدريّ إلى الأئمّة الطاهرين، متّصلاً بخاتم الأنبياء والمرسلين صلّى الله عليه وعلى آله الميامين؛ فهو السيّد مهدي ابن السيّد أحمد ابن السيّد حيدر ابن إبراهيم... إلى أن يبلغ إلى السيّد عبدالله المحض بن الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن السبط المجتبى ابن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وابن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ابنة سيّد الكائنات المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله.

تولّدَ بيـنَ المصطفـى ووصيِّـهِ ولا غَرْوَ أن تزكو هناك الغَرائسُ

ترعرع السيّد مهدي الحيدري ( عطّر الله ثراه ) في بيت يموج بالعلم والفضل، ويزخر بالأدب والجلالة، فأكثرُ أفراد أسرته هم ممّن رُزِقوا نور العلم، وتزيّنوا بلسان الورع والتقوى.. فهو وإخوته وآباؤه، أهل بيتٍ جليل، عُرِفوا في العراق بالصلاح والسداد والأخلاق الكريمة، وكان منهم السيّد محمّد الحيدري ( شقيق المترجَم له ) من أجلّة تلامذة المحقّق الأنصاري ( طاب ثراه )، وأحدَ أعيان أتقياء بلدة الكاظمين عليهما السّلام، كما ذكر الميرز النوريّ في كتابه ( جنّة المأوى ).
وجاء في ( مجلة المرشد / الجزء 8 من المجلّد 2 الصادر سنة 1346هـ / 1927م ) والتي كانت تصدر تحت إشراف السيّد هبة الله الشهرستاني ( رحمه الله ): آل السيّد حيدر، بيتُ علمٍ سابق ومجدٍ سامق، من أُسَر العراق الشريفة العريقة بالمجد والسُّؤدد، الشهيرة بالعلم والفضل والأدب والحسب والنسب. ورث الحيدريّون العلم والشرف خَلَفاً عن سَلَف، وناهيك من فضلهم ونبوغهم أنّهم بلغوا من الاشتهار في سائر الأقطار ما لا يحتاج إلى بيان، أو إقامة دليل وبرهان.
تقيم هذه الأُسرة السَّرية، والسلسلة الطاهرة الذهبيّة، في مدينة الكاظمية المقدّسة، وفي العاصمة بغداد منهم بُيوتٌ معروفة، وربّما أقام بعضهم في النجف الأشرف؛ لتحصيل العلوم الدينيّة والآداب العربية. وينتهي شريفُ نسبِ هذه الأسرة: من جهة الأب إلى الإمام الحسن بن عليّ عليهما السّلام، ومن جهة الأمّ إلى الإمام الحسين بن عليّ عليهما السّلام شهيد الطفّ، فهي « حسنيّة حسينيّة ».
وقد مدحهم الشيخ جابر الكاظميّ ( صاحب تخميس الأُزرية ) بقصيدةٍ، منها قوله:

كـرامٌ لـقد سـادوا الكرامَ بِمَحْتِدٍ سـما رِفـعةً فـي مجدهِ كلَّ مَحتِدِ
نَـمَتهُم إلـى غُـرّ الـمكارم سادةٌ ومَـدَّت بـضِبعَيهِم إلى كلِّ سُؤددِ
زَكَت في الورى أعراقُهم فزَكَت لهم عـناصرُ قـد مَـتَّت بـأكرمِ مَولِدِ
هـمُ وَرِثـوا العلياءَ في كلِّ أمجدٍ تَـوارثَها عـن سـيّدٍ بـعد سـيّدِ

في هذا البيت الهاشمي درج السيّد مهدي الحيدري، يقتبس فضائله وينمّي مواهبه العالية وصفاته الطيّبة.

المولد والتحصيل
وُلِد السيّد مهدي الحيدري في مدينة الكاظميّة المقدّسة في حدود سنة 1250 هجرية، وترعرع في ظلّ أبيه يتلقّى المزايا الكريمة، ويَرِث عن آبائه حبَّ العلم والعكوف عليه، وصلابة العقيدة وحسن السيرة والمَلَكات السامقة. وقد هيّأ له والده وسائل الدراسة وأسباب التحصيل، وتولاّه بالتربية الرفيعة والرعاية التامّة، وأعانه في تلقّيه دروسه الأولى حتّى نال حظّاً وافراً من الفضل، وظهر نبوغه في مجالاتٍ عديدة.
ولمّا فرغ السيّد مهدي في مدينة الكاظميّة من دراسته المتقدّمة ( السطوح )، تاقت نفسه إلى المزيد، فهاجر إلى مدينة النجف الأشرف، منقطعاً إلى التحصيل، وملازماً دروسه وأبحاثه على يد فطاحل العلم: كالمحقّق الشيخ مرتضى الأنصاريّ، والشيخ محمّد حسين الكاظميّ، والميرزا حبيب الله الرشتي. ولكنّ جُلّ دراسته كانت على أُستاذه المرجع الميرزا محمّد حسن الشيرازيّ، فضلاً عن حضوره في بحث المجتهد الشيخ محمّد حسن آل ياسين.
بقي السيّد مهدي الحيدريّ في النجف الأشرف على تلك الحال، يدرس ويدّرس، ويحاضر ويناظر.. حتّى تخرّج على يده عددٌ كبير من العلماء والفضلاء. بعدها هاجر إلى مدينة سامرّاء؛ ليكون من أبرز تلامذة الميرز الشيرازيّ، فقضى معه فترةً مُجِدّاً في طلب العلم مُكِبّاً على دراسته وأبحاثه، حتّى بلغ منزلة في الاجتهاد، فعاد إلى الكاظمية، فقُلّد الزعامة العامّة والمرجعية العلمية في التقليد بعد وفاة أستاذه الميرزا الشيرازي رحمه الله.

مكانته العلميّة
أثنى على السيّد مهدي الحيدري عدد كبير من أصحاب التراجم والسِّير، مشيدين بعلمه ومقامه، منهم:
ـ السيّد محسن الأمين: أثنى عليه ثناءً عاطراً في ( أعيان الشيعة ) معرّفاً به بهذه العبارات: إنّه عالم فقيه، كانت له رئاسة علميّة في عصره، وإنّه مِن بيت علمٍ وسيادة. ثمّ أشاد بأخلاقه الفاضلة وسيرته الحسنة.
الشيخ محمّد حرز الدين في مراقد المعارف نوّه بعلمه وجهاده، وقال: إنّه العالم الفقيه، المجاهد الثقة الأمين ثمّ وصف مكانته وزعامته العلميّة والدينيّة، وتَقدُّمَه ونفوذ كلمته وجلال قَدْره عند الأكابر والوجوه.
وكان السيّد الحيدريّ مورداً سائغاً لطلاّب العلم وروّاد الفضيلة، يتزاحمون على الأخذ منه، حتّى وفد الكثير للأخذ منه والتلقّي عنه والدراسة على يديه، فتخرّج عن تدريسه جملة من العلماء الأفاضل، واستجازه في الرواية عنه: المجتهد السيّد الميرزا عبدالهادي الشيرازي، والمرجع السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي رحمهم الله جميعاً.
وقد خلّف السيّد مهدي الحيدريّ ـ رغم مشاغله الكثيرة ومسؤلياته الضخمة العديدة ـ جملةً من الكتب العلميّة في فنونٍ إسلاميّة مختلفة، منها: كُتب فقهيّة في عددٍ من المجلّدات، تقريرات في الأصول، كتاب في الرجال، تعليق على ( فرائد الأصول ) لأستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري، حاشية على ( تبصرة المتعلّمين ) للعلاّمة الحليّ، رسالة عملية في الاجتهاد، كتاب في الهيأة والنجوم، إضافةً إلى عددٍ من الحواشي والرسائل، وأكثر كتبه موجود لدى ذريّته وأحفاده.

مزاياه الأخلاقيّة
كان السيّد مهدي الحيدري على درجةٍ رفيعةٍ من: الورع والتقوى، والزهد والعبادة، وصدق النيّة وسموّ النفس وطهارة القلب، وعلوّ الهمّة والصلابة في الحق. وكان من مواقفه المعروفة أنّه إذا وَردَته الحقوق الشرعيّة يقسّمها على مستحقّيها من الطلاّب، ولا يترك لنفسه ولا لأولاده إلاّ بمقدار ما يعطي الآخرين، دون أيّ تمييز. كما كان من صفاته الرفيعة أنّه يَحدِب على الصغير والكبير، ويَعطِف على القريب والبعيد، ويحنو على الفقراء والمساكين، ويهتمّ بأمور المسلمين وينهض بأعبائهم ويتفقّد شؤونهم ويصلح ذات بينهم، حتّى أصبحوا يهرعون إليه في مهمّاتهم وملمّاتهم. كذا كان من مزاياه أنّه كان مؤيّداً بالعناية الإلهية، فكثيراً ما كانت تُكشَف له الحقائق الغامضة، حتّى ذُكرت له بعض الحكايات الدالّة على شيءٍ من الكرامات.

نهضته في حرب الإنجليز
في سنة 1332 هـ / 1917م، وبعد الحرب العالميّة الأولى، داهمت الجيوش البريطانيّة بلادَ العراق من جهة البصرة، تريد احتلال البلدان الإسلاميّة، فكان الخطر الذي جعل علماء الشيعة ـ ومنهم السيّد مهدي الحيدري ـ يجتمعون ويتداولون الأمر بجدّية عالية، ثمّ يعلنون الجهاد المقدّس والنفير العام، مستجيبين لاستغاثات الشعب.
ولم يكتفِ السيّد بذلك، بل تحرّك بنفسه يوم 12 / محرم الحرام / سنة 1333 هجريّة، في موكبٍ جهاديّ انطلق من الكاظمية المقدسة، تقدّم هو في طليعته مع ثلاثةٍ من أشباله الكرام، يرافقه جمعٌ من العلماء، والجماهير تحفّ بهم وتشايعهم، وتلتحق بصفوفهم، والهتافات الشعبيّة تتعالى في روحٍ ثوريّة إسلاميّة:
ـ سيّد مهدي ركن الدِين.. نمشي للجهاد وياه.. واندوس العِده بحذاه.
ـ حجّة الإسلام طالع للجهاد.. محصَّن بموسى بن جعفر والجواد.
ثمّ واصل السيّد مهدي الحيدري مسيره مع جموع المجاهدين إلى ساحل النهر في بغداد، ووُزّعت القوافل إلى مناطق عديدة نحو جنوب العراق لمقاتلة الغزاة، ثمّ جرت الأحداث صعبةً ومريرة في فصولٍ من المواقف العظيمة والتضحيات العالية والبطولات المشرّفة، تحمّل الجيش البريطانيّ خلالها دمغاتٍ مؤلمة في اشتباكات عديدة.
دامت رحلة السيّد مهدي الحيدري إلى سُوح الجهاد سنةً كاملة، أثبت أنّه قائد محنّك وزعيمٌ شجاع لا ترهبه قوّة الأعداء وهول الخطوب. وكان شعبيّاً متواضعاً، مندمجاً مع أبسط الناس، ومضحّياً بأحد أولاده، ومتفاعلاً بحزنٍ عميق مع الحوادث المُرّة التي جرت على البلاد.
وكانت له بعد ذلك مواقف إصلاحية في مدينة كربلاء المُعلاّة، ومشاريع خيريّة في نواحٍ عديدة من العراق.

وفاته
لم يزل السيّد مهدي الحيدريّ قُدّس سرّه، بعد الاحتلال الانجليزيّ للعراق، يعاني الآلام ويكابد الهموم، حتّى فاضت نفسه الزاكية عند صلاة المغرب والعشاء من ليلة الحادي عشر من محرم الحرام سنة 1336 هجريّة، فاضطربت البلاد بالبكاء والصراخ، وازدحمت الحسينية الحيدرية بمختلف طبقات الناس يندبون قائدهم المخلص. وقد تعطّلت الأعمال وأُغلقت الأسواق، وانتظمت الوفود ورُفعت أعلام الحِداد، فشُيّع السيّد مهدي تشييعاً مهيباً، ووُدِّع بالنحيب والنشيج، وصلّى على جثمانه ولدُه الذي قام مقامه السيّد أسد الله الحيدري بطلبٍ من المرجع الميرزا محمّد تقي الشيرازي والسيّد مصطفى الكاشاني ـ وكانا يومذاك في الكاظميّة ـ فقدّماه واقتَدَيا به مع الناس.
ثمّ دُفن رحمة الله عليه في مقبرة الأُسرة الخاصّة في الحسينيّة الحيدريّة بالكاظمية المقدّسة، وأُقيمت على روحه الطيبة مجالس التأبين والفاتحة في جميع أنحاء العراق، ورثاه الشعراء والأدباء بقصائد غرّاء.

Copyright © 1998 - 2024 Imam Reza (A.S.) Network, All rights reserved.